يصف جوناثان ويتال، أحد كبار منسقي الإغاثة الإنسانية في غزة منذ أكتوبر 2023، حجم الكارثة الإنسانية غير المسبوقة التي تتعرض لها غزة، حيث تُحتجز المنطقة منذ 22 شهرًا تحت حصار خانق لا يُخفف إلا بضغط سياسي يفوق قوة القانون الدولي.
وقال في مقال نشرته صحيفة الجارديان رغم مرور أكثر من عام على أمر محكمة العدل الدولية لإسرائيل باتخاذ كل التدابير اللازمة لمنع الإبادة الجماعية، ما زال المشهد في غزة يزداد سوءًا. الجوع، والعطش، وتدهور خدمات الصرف الصحي، وانهيار النظام الصحي، والقتل اليومي للمدنيين، بما فيهم الأطفال، تكشف عن واقع مأساوي متواصل.
أوضح ويتال أن معظم المساعدات التي تدخل غزة تُعد استثناءً نادرًا. ورغم القيود، يواصل العاملون في المجال الإنساني والفلسطينيون رواية ما يشاهدونه من معاناة ممنهجة، معتبرين ذلك جزءًا من مسؤوليتهم لحماية القانون الدولي. غير أن هذا الإفصاح يكلّفهم الكثير؛ فبعد إحاطة صحفية تحدّث فيها ويتال عن إطلاق النار على مدنيين يتجهون للحصول على الغذاء، أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية رفضها تجديد تأشيرته، وطُلب منه مغادرة الأراضي المحتلة.
لا تقتصر هذه الممارسات على الأفراد، بل تشمل المنظمات أيضًا. تُواجه المؤسسات الدولية قيود تسجيل متزايدة تمنعها من انتقاد إسرائيل، وتُحرم المنظمات الفلسطينية من الموارد اللازمة للعمل. أما الوكالات الأممية، فيُمنح موظفوها تأشيرات قصيرة الأجل حسب تصنيف سياسي: "جيد أو سيئ أو قبيح". ويُمنع موظفو وكالة الأونروا من دخول الأراضي الفلسطينية، وتُخنق عملياتها تدريجيًا.
في الضفة الغربية، تختلف تفاصيل المشهد لكنها تخدم نفس الغرض: تقطيع الأرض وتضييق الخناق على السكان الفلسطينيين. يُجبر السكان هناك على مغادرة أراضيهم بفعل عنف المستوطنين، وتُقيّد حركتهم بشبكة من الحواجز. في غزة، تتفاقم الأزمة، إذ يُحشر أكثر من مليوني شخص داخل 12% فقط من مساحة القطاع، في أعقاب تهجير قسري متكرر منذ أكتوبر 2023.
يذكر ويتال أنه وفريقه عملوا على نقل مرضى من غرف عناية مركزة دُمّرت مستشفياتها، بينما كان الطاقم الطبي المنهك يدفن الزملاء في ساحات المستشفيات. عثروا على مقابر جماعية، حاولت فيها العائلات التعرف على أحبّائها من بين ملابسهم. جادلوا جنودًا حاولوا طرد مصابين من سيارات الإسعاف. جمعوا جثث زملاء إغاثة قُتلوا بطائرات بدون طيار أو نيران دبابات، حتى في مناطق مُعلنة كمناطق إنسانية.
رأوا فرق الإسعاف تُسحق تحت المركبات، وملاجئ مكتظة تُقصف، وأهالي يحتضنون أطفالهم الجرحى أو الموتى. الجثث تملأ الشوارع والكلاب تنهشها. الأطفال يذبلون من الجوع، والمساعدات تُعيقها عراقيل متعمدة.
تتهم إسرائيل العاملين في الإغاثة بالتقصير، لكنها هي التي تعرقل دخول المساعدات. يروي ويتال كيف رافق قافلة مساعدات إلى معبر كرم أبو سالم، واضطر إلى المرور في طرق مزدحمة وغير ضرورية. بعد انتظار طويل، ومع تدافع الأهالي أملاً بالحصول على طعام، قُتل مدني برصاصة في الظهر. المعبر ظل مغلقًا لساعتين. استغرقت القافلة 15 ساعة. وفي مرات أخرى، احتُجزت الشاحنات بينما كان الأهالي ينتظرون، وقُتل بعضهم خلال الانتظار.
بعض المساعدات تعرّضت للنهب على مرأى من القوات الإسرائيلية. خلال الهدنة، كانت القوافل تتحرك بحرية نسبية. الآن، عاد القتل والفوضى والعراقيل.
يشدد ويتال على أن المساعدات لن تعالج شحًا صُنِع عمدًا. المحكمة الدولية طالبت إسرائيل بتوفير الخدمات الأساسية وزيادة المعابر، ووصفت احتلالها لغزة والضفة، بما في ذلك القدس الشرقية، بأنه غير قانوني. ما يحدث ليس معقدًا أو حتميًا، بل هو نتيجة خيارات سياسية مدروسة.
الاحتلال طال أمده، والنظام الدولي يفقد مصداقيته أمام ازدواجية المعايير. لا يمكن للقانون الدولي أن يكون أداة انتقائية. غزة تغرق تحت الحصار والقصف والجوع، وكل تأخير في تطبيق قواعد حماية الحياة، يدفعها أكثر نحو الهاوية.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/aug/03/gaza-aid-israel-authorities-hospitals